الاشهر الحرم

 

 

عرض image1.JPG

 

 

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى اله وصحبه اجمعين.
انطلاقا من قوله تعالى في الاية 36 من سورة التوبة “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ”
فالأشهر الحُرُم الواردة في هذه الآية، والمقصودة بالكلام هي الأشهر ذات الحرمة الأبدية، وهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» (البخاري في صحيحه، رقم:[ 3197])، فهي ثلاثة سرد وواحد فرد. وقد ضل التلاعب بها ونقلها حتى عادت في ذلك اليوم إلى موضعها الأول؛ حسن تدبير من الله لرسوله، وإتمامًا للنعمة.
فما هي احكام هذه الاشهر؟وماذا يستوجب على المسلم فيها ؟
سميت هذه الأشهر الأربعة بالأشهر الحرم لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها، وقيل: إنما سميت حرمًا لتحريم القتال فيها، وكان ذلك معروفًا في الجاهلية، وقيل: إنه من عهد إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرمًا، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم ”
وقال قتادة: “إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، إنما تعظيم الأمور بما عظم الله به عند أهل الفهم وأهل العقل”.
وسبب تحريم هذه الأشهر الأربعة عند العرب لأجل التمكن من الحج والعمرة، فحُرِّم شهر ذي الحجة لوقوع الحج فيه، وحُرِّم معه شهر ذي القعدة للسير فيه إلى الحج، وشهر المحرم للرجوع فيه من الحج حتى يأمن الحاج على نفسه من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه، وحُرِّم شهر رجب للاعتمار فيه في وسط السنة، فيعتمر فيه من كان قريبًا من مكة.
فالمؤمن والمسلم الصادق هو الذي يعظّم ما عظمه الله، فيعظم شعائر الله، ويمتثل الأوامر، ويجتنب النواهي، ويبتعد عن كل ما يضره ويؤذيه من قول أو فعل، يسارع إلى الخيرات ويفعل الصالحات.
مما سبق يمكن ان نلخص احكام الاشهر الحرم في:
1) تعظيمهن حيث ان العظمةُ من صفات الله تعالى فهو العلي العظيم، والعبد يعظمه تعالى بتبجيله وإجلاله, ويخر ساجدا لجنابه ويركع له تعظçماً لشأنه,
ومن موجبات تعظيم الخالق تعظيم حرماته والتي تدخل الاشهر الحرم فيها .
فكيف تعظم حرمة هذه الاشهر؟
تعظيم هذه الأشهر يكون بزيادة التقوى والاجتهاد في العمل الصالح، وتجنب الوقوع في الآثام؛ واجتناب سائر المعاصي، والبعد عن كل المظالم ويشمل ذلك مظالم الدماء، ومظالم الأعراض، ومظالم الأموال،لأن الآثام تضاعف في هذه الاشهر لحرمتها، مثل مضاعفتها معنويا، إذا ارتُكبت في البلد الحرام مكة، قال تعالى: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ (التوبة: من الآية 36)، وقد تقدم كلام ابن عباس في تفسير الآية فقال: وجعل الذنب فيهن أعظم.
2 تحريم القتال فيهن؛ قال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} [البقرة:217]، ولكن ذهب جماهير أهل العلم إلى نسخ هذا الحكم وجواز القتال، ولهم في ذلك أدلة لا تسلم من مقال، وذهب بعض أهل العلم ومنهم عطاء -رحمه الله- إلى أن الآية محكمة، وأن تحريم القتال باقِ غير منسوخ، لكن سبق القول أن العمل على خلافه.
3- تحريم الظلم فيهن، وإليه يشير قوله تعالى: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} [التوبة: 36] على أن أهل العلم اختلفوا في عود الضمير في قوله: “فيهن” فقال بعضهم: الضمير يعود على خصوص الأربعة الحرم، وقال بعضهم: إنه عائد على كل الأشهر، وإنما نص الله تعالى على الأربعة لزيادة شرفها وفضلها، وبكل حال فالآية دالة على تحريم الظلم في الأشهر الحرم.
والحكمة من مضاعفة الاجر والوزر في اربعة اشهر خلافا لباقي اشهر السنة فقد قيل ان ذلك من رحمة الله تعالى بالمؤمنين، وحسن تربيته لعباده، ، فلو أنه سبحانه ضاعف الوزر كامل السنة لربما هلك الصالحون بمضاعفة ما قد يأتون من معصيتهم وظلمهم لأنفسهم؛ إذْ أنهم ليسوا بمعصومين، فكان أن جعل الله تعالى الحرمة والمضاعفة خاصة بأربعة أشهر فقط، ليستطيع المسلم شدَّ إزاره والاجتهاد فيها أكثر ما يستطيع، ثم ليكون ذلك دربةً له في باقي الأشهر المخففة، وهكذا إذا اتقى اللهَ تعالى وجاهد نفسه؛ وَجَد نفسه في سائر الشهور متقيًا محترسا متيقظًا، قد صار له ذلك عادة.
وختاما فان الأمة تحتاج أن تعرف قدر الأشهر الحرم، وفضلها، وحكمتها، وكيفية استثمارها، ومن المؤسف أن تكون هذه الأشهر المباركة منسية عند كثير من المسلمين، مجهولة لدى أبنائهم إلا القليل.

Lamya Essousy

‎اضف رد
اخر المقالات