شهر رمضان بين العادة والعبادة

download
بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله رب العالمين الذي انزل من شرعه ما فيه تزكية للنفوس وتطهير للقلوب من الآثام.
ومن بين ماشرع لنا الله تعالى الصيام،الذي يعد الركن الرابع من أركان الإسلام فرضه الله على عباده تزكية لنفوسهم وتربية لابدانهم وغذاء لقلوبهم، حيث جاء في سورة البقرة:”ياايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”(البقرة:183).
فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمة انه كتب الصيام على هذه الأمة ، وعلى الامم قبلها، حيث يرجع أهل التاريخ بداية تشريع هذه الفريضة الى عهد نوح عليه السلام فيقولون انه اول من صام رمضان لما خرج عليه السلام من السفينة، ومن المرجح ان فريضة الصيام قد عرفت قبل هذا التاريخ لما روي عن مجاهد بن جبر المفسر التابعي المعروف واحد النجباء من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهما ان الله عز وجل كتب الصوم على كل أمة, وكما هو معلوم فقد كان قبل نوح أجيال وأمم شغلت الزمان منذ نبي الله ادم عليه السلام .
وقد جاء في بعض كتب التفسير أقوال عن بعض الصحابة والتابعين ان صيام السابقين كان ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يزل مشروعا من زمان نوح الى نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان .
ويعد الصيام من اجل العبادات وافضلها ،قال سبحانه وتعالى “شهر ومضان الذي انزل فيه القران ….” البقرة185فانزال القران فيه علامة على فضله .
ويختص الصيام من بين الفرائض والشعائر الدينية المتعبد بها بشرف إضافته الى الله تعالى ونسبته اليه، وتفرده بعلم مقدار ثوابه وعظم فضله لبعده عن الرياء والشهرة وخفاءه عن الناس، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة التي ذكرها الأئمة ومنها ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز. وجل قال:”يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: كل عمل ابن ادم له الا الصيام فانه لي وانا أجزي به” وقد خص الصوم بذلك وان كانت العبادات كلها لله سبحانه وتعالى.
وهو واجب على كل مسلم عاقل بالغ قادر ومقيم، وحقيقته الامساك عن جميع المفطرات بنية التعبد لله من طلوع الفجر الى غروب الشمس، والصيام المأمور حسب الدكتور يوسف قرضاوي ، هو ترك وكف وحرمان ، وبعبارة أخرى  إمساك وامتناع عن الاستجابة لما كان مباحا من شهوة البطن، وشهوة الفرج، بنية التقرب الى الله تعالى.
فهذا هو الصوم الشرعي: إمساك وامتناع إرادي عن الطعام والشراب، ومباشرة النساء وما في حكمها، خلال يوم كامل أي من تبين الفجر الى غروب الشمس، بنية الامتثال والتقرب الى الله تبارك وتعالى.
والدليل على ان الصيام هو إمساك عن الشهوتين قوله تعالى في سورة البقرة 187: “أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نساءكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فألان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل…..”
وفي الصيام حكم ومصالح كثيرة أشارت إليها نصوص الشرع ومنها:
-تزكية النفس بطاعة الله فيما أمر، والانتهاء  عما نهى، وتدريبها على كمال العبودية لله تعالى، ولو كان ذلك بحرمان النفس من شهواتها، والتحرر من مالوفاتها، وفي الصوم تربية للإرادة وجهاد للنفس، وتعود على الصبر والثورة على المألوف.
-كسر الغريزة الجنسية وترويضها على أساس أنها أخطر أسلحة الشيطان في إغواء الإنسان.
-في الصوم صحة ، فبعد الدراسات العلمية والأبحاث الدقيقة على جسم الإنسان ووظائفه الفسيولوجية ثبت ان الصيام ظاهرة طبيعية يجب للجسم ان يمارسها حتى يتمكن من أداء وظائفه الحيوية بكفاءة، وانه ضروري جداً لصحة الإنسان تماماً كالاكل والتنفس والحركة والنوم.
وفي حديث رواه النسائي عن أبي أمامة :”قلت : يارسول الله مرني بعمل بنفعني الله به، قال: عليك بالصوم فانه لا مثل له”، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني :  “صوموا تصحوا”.
-كما ان للصيام فوائد اجتماعية مهمة، دلك انه يعود الأمة النظام والاتحاد وحب العدل والمساواة، ويكون في المؤمنين عاطفة الرحمة وخلق الإحسان بان يحس الغني بقيمة ما يملك وبعطف على الفقير ، كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد.
-اضافة الى ذلك فان من اجل معاني وفضائل الصيام وانفعها وأعظمها هو تحقيق التقوى،كما قال سبحانه “ولعلكم تتقون” .
بعد سردي  لفضائل الصيام هذه والتي أصبحنا نرى ان من بعض العادات والتقاليد ما يفسدها ويبعدنا عنها .
فقد اعتاد الناس تبادل التهاني والتبريكات والفرح والسرور بقدوم هذا الشهر المبارك، كما أنهم يستعدون لرمضان من حيث التبضع والتجهيز ، وقد يبالغون في أصناف المأكولات والمشروبات، ناهيك عن جشع واستغلال العديد من التجار ورفع الأسعار إذ يعتبرونه موسم من مواسم التجارة الدنيوية،وهذا يلاحظ مليا وجليا في الأسواق الإسلامية .
وما يزيد الأمر سوءا ما نراه من استعدادات وتنافس القنوات التلفزيونية في طرح أكبر عدد ممكن من المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية في هذا الشهر المبارك ، وكأنه شهر ترفيه ولعب وليس بشهر عبادة وقرب الى الله تعالى.
فالصوم ليس كما يفهمه البعض ويفعله الكثير من المسلمين ،ترك الطعام والشراب ، و قضاء كل الوقت في المطبخ والأسواق نهارا ، ثم السهر والسمر ومتابعة القنوات والمسلسلات وتضييع الأوقات.
وانما هو فرصة لتجديد العهد مع الله تعالى, وتقوية الايمان و التغلب على هوى النفس ,اضافة الى محاولة التغلب على الافات الاجتماعية والاخلاقية.
فالخطورة تكمن بان الصيام يستحيل معه الرياء، وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الصيام من الطعام والشراب وحده ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف”.
فرمضان هو منحة من الله تعالى الى المسلمين ، لمراجعة النفس والخلوة مع كتاب الله تعالى، وحسن الالتجاء لله سبحانه وتعالى وصدق التضرع، كما ان الصيام الحقيقي هو الذي يصنع في الصائم النفس النقية الصالحة، ليس في شهر رمضان فحسب بل في جميع الشهور.
فشتان بين من يصوم عن الطعام والشراب فحسب، ومن يحقق تقوى الله ويبذل وسعه وجهده ويستغل وقته ويجتهد في طاعة الله.
لهذا فالاستعداد المرغوب هو الاستعداد القلبي الإيماني المعنوي، وصدق النية والتوبة الحقيقية ووضع برنامج وتخطيط لاستثمار هذا الشهر المبارك .
يقول عليه الصلاة والسلام” من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه”اخرجه البخاري
وأخيرا مع حلول شهر رمضان المبارك  ندعوا من الله تعالى ان يعيننا على قيامه وصيامه وان يتقبل منا سائر الطاعات، فالفائز من وفق في هذا الشهر لمرضاة الله، والمحروم من حرم الخير فيه.
Lamya Essousy

‎اضف رد
اخر المقالات